يكتب جوزيف فهيم عن الضجيج الذي أثاره ظهوران إعلاميان مختلفان في العالم العربي خلال الأسابيع الماضية؛ أحدهما مشاركة كوميديّين أمريكيين في "موسم الرياض"، والثاني عودة باسم يوسف غير المتوقّعة إلى شاشة التلفزيون المصري. يضع الكاتب الحدثين داخل سياق أوسع يقيس علاقة الثقافة بالسلطة، ويرصد كيف تغلّب هاجس السيطرة على أي وعود بتحرّر إعلامي.
تشير ميدل إيست آي إلى أنّ المشهد الإعلامي في مصر والسعودية يعيش تناقضًا بين شهية اقتصادية ضخمة ورغبة مستمرّة في تضييق هامش الحرية. عودة يوسف تطرح أكثر الأسئلة التباسًا حول ما إذا كان المشهد يتغيّر بالفعل أم يعيد إنتاج نفسه بشكل أكثر نعومة.
صعود وسقوط "البرنامج"
يستعيد الكاتب المرحلة التي صعد فيها يوسف إلى قمة الشعبية العربية بين 2012 و2014، حيث خطف الأنظار بمحتوى ساخر جريء مستلهم من "ذا ديلي شو". واصل يوسف استهداف الأنظمة المتعاقبة: مبارك، ثم الإخوان، ثم الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي. قدّم "البرنامج" مساحة نادرة للتعبير الحر عقب ثورة 2011، وأصبح وثيقة حيّة لهذه اللحظة القصيرة من التنفّس السياسي.
أغلق النظام الجديد الباب سريعًا. ألغى "البرنامج" فور وصول السيسي إلى الرئاسة في يونيو 2014، وداهمت السلطات مقر شركة الإنتاج وصادرت الأجهزة، بينما واجه يوسف غرامة هائلة قُدّرت بعشرة ملايين دولار. غادر إلى دبي نهاية 2014، ثم استقر لاحقًا في الولايات المتحدة، حيث أعاد ترتيب مسيرته بين عروض الوقوف الكوميدي ومشروعات تلفزيونية في الغرب.
استعاد يوسف بريقه عالميًا بعد حواره الصاخب مع بيرس مورغان في أكتوبر 2023، إذ خاطب الرأي العام الغربي بخطاب مباشر عن فلسطين، فاستعاد صورته بصفته صوتًا مقاومًا يسائل الرواية الإسرائيلية ويحرّك التعاطف العالمي.
عودة محمّلة بالأسئلة
يشرح الكاتب كيف جذبت عودة يوسف إلى التلفزيون المصري انتباه الجمهور، خصوصًا أنها جاءت بعد إعلان عفو رئاسي عن علاء عبد الفتاح، المعتقل السياسي الأشهر في مصر. رأى البعض في الخطوتين مؤشرًا على انفراجة سياسية، لكن الواقع الميداني قدّم دلالة معاكسة؛ إذ واصلت السلطات اعتقال الناشطين واحتجاز المتظاهرين المتضامنين مع غزة، وبقيت الرقابة شديدة على المنصّات الرقمية.
تابعت القنوات المصرية انتقاد الأداء الحكومي بدرجة غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، ما عزّز الاعتقاد بوجود مساحة جديدة للهواء. لكن يوسف اختار الابتعاد عن الشأن المصري تمامًا خلال حلقاته الأربع، وركّز حصريًا على الولايات المتحدة، إسرائيل، فلسطين، وصعود سرديات ما بعد الحقيقة. ظهرت الحلقات كأنها خطاب موجّه للعالم لا للمصريين، ما خفّف تأثير عودته وسحب الاهتمام بعد الحلقة الأولى.
أعلن يوسف بنفسه أنه "لم يعد باسم 2011"، في إشارة إلى تحوّل أولوياته وابتعاده عن دور الناقد المحلي. وفي نهاية السلسلة، وجّه الشكر لشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة للأجهزة السيادية، ما جعل ظهوره يبدو محسوبًا ومُسيطرًا عليه.
التقاطعات السعودية وتأثير الاقتصاد
يفتح الكاتب نافذة على مشاركة يوسف في النسخة السابعة من "Arabs Got Talent"، والارتباك الذي سبّبته مشاركته تحت مظلة شبكة "إم بي سي" المملوكة جزئيًا لصندوق الاستثمارات العامة السعودي. يلفت إلى تاريخ الشبكة في خدمة التوجّهات الرسمية للمملكة، خصوصًا في فترة اقتراب الرياض من توقيع "اتفاقيات أبراهام".
يتناول النص الجدل الذي أحاط بالمهرجان الكوميدي في الرياض، وتسريب عقود تمنع الكوميديّين من انتقاد المملكة أو الأسرة الحاكمة أو الدين. يدافع يوسف عن المشاركين الأمريكيين بحجّة أنّ الولايات المتحدة تتورّط مباشرة في دعم حرب غزة، بينما لا تفعل السعودية الشيء نفسه. يصف الكاتب هذا التبرير بأنه هشّ، لأن المملكة ومصر تؤديان أدوارًا سياسية واقتصادية تعمّق أزمات الفلسطينيين، حتى إن لم تشاركا مباشرة في العدوان.
يرصد المقال تأثير موسم الرياض على الفن المصري؛ بعدما أعلن تركي آل الشيخ إقصاء العروض المصرية من الموسم الجديد. أثار القرار غضبًا واسعًا، خاصة أنه قطع مصدر رزق مهم للفنانين المصريين في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة. يعكس ذلك تناقض العلاقة بين السوق السعودي والهوية المصرية، حيث يتنافس الطرفان على النفوذ في قطاع الترفيه العربي.
صوت فقد صلته بالمشهد العربي
يخلص الكاتب إلى أن يوسف — رغم حضوره القوي عالميًا — ابتعد عن معارك الداخل في مصر والسعودية والسودان وغيرها. يجادل بأن دفاعه عن الحكومات العربية في سياق انتقاده الولايات المتحدة يضعف مصداقيته، ويهمّش الفنانين العرب الذين يخوضون معارك حقيقية داخل أوطانهم ضد الرقابة والتضييق.
يطرح المقال صورة عالم عربي يقف عند مفترق طرق: اقتصاد يضغط من أعلى لفرض الانفتاح الترفيهي، وسلطة تتشبّث من أسفل بالسيطرة على المجال العام. في هذا المشهد، تظهر عودة يوسف كإشارة إلى تحوّل أولويات رجل ترك خلفه وطنًا متعبًا، واختار أن يحمل قضية واحدة — فلسطين — بينما يبتعد عن أخرى — حرية شعوب المنطقة.
يختم الكاتب برؤية مريرة: لا معنى لحرية جزئية في عالم محاصر بالقمع. الحرية لا تكتمل إلا عندما تشمل الجميع.
https://www.middleeasteye.net/discover/bassem-youssef-return-egypt-tv-safe-advocate-palestine-not-other-arabs

